الأربعاء، 2 يناير 2019

التعريف بسور القرآن الكريم | سورة الممتحنة (060)


060- سورة الممتحنة
(بصوت ذ. محمد العثماني)
التعريف بالسورة
سورة مدنية ومن المفصل عدد آياتها 13 آية وترتيبها 60 في المصحف الشريف وقد نزلت بعد سورة الأحزاب ، بدأت بأسلوب النداء "يا أيها الذين آمنوا " ، ذكر لفظ الجلالة في الآية الأولى .
سبب النزول
نزلت سورة الممتحنة في الصحابي حاطب بن أبي بلتعة الذي تخابر مع مشركي قريشٍ لإخبارهم باستعداد الرسول -صلى الله عليه وسلم- للقدوم إلى مكة، وكانت حلقة الوصل بينه وبينهم سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم والتي قدمت إلى المدينة طالبةً العطاء والكساء؛ وعندما سألها الرسول الكريم أمسلمةٌ أتيتِ قالت: لا، فأعطاها الرسول وكساها وهمت بالعودة إلى مكة حينها التقاها حاطب بن أبي بلتعة وأرسل معها كتابًا لتحذير أهل مكة من قدوم النبي وأصحابه ودفع لها عشر دنانير مقابل إيصال الكتاب، وانطلقت الأَمة من المدينة قاصدةً مكة؛ فنزل جبريل -عليه السلام- على الرسول بالخبر اليقين؛ فأرسل الرسول في أثرها فرسان الصحابة: علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله والمقداد بن الأسود وأبو مرثد ووجدوها في روضة خاخ كما أخبر الوحي وأخذوا منها الكتاب بالقوة وعادوا بالكتاب إلى رسول الله الذي استدعى حاطبًا وسأله عن الكتاب؛ فأجاب: “أما واللهِ إنِّي لَناصِحٌ للهِ ولرسولِهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ولكنْ كُنْتُ غَرِيبًا في أهلِ مكةَ، وكان أهلِي بين ظَهرَانِيِّهُمْ، وخَشِيتُ فَكتبْتُ كتابًا لا يَضُرُّ اللهَ ورسولَهُ شيئًا وعَسَى أنْ يَكُونَ مَنْفَعَةٌ لأهلِي” ؛ فصدقه الرسول الكريم وعفى عنه ثم نزلت الآيات الكريمة من صدر سورة الممتحنة.
وعندما أنزل الله قوله تعالى:”لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ” عادى المسلمون أقاربهم من المشركين عداوةً بينةً اقتداءً بإبراهيم -عليه السلام-؛ فأنزل الله قوله تعالى: “عَسَى اللَّـهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّـهُ قَدِيرٌ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”.
أما قوله تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّـهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّـهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” نزلت في سبيعة بنت الحارث الأسلمية التي وفدت على الرسول الكريم بعد الانتهاء من كتابة شروط صلح الحديبية ومن ضمنها ردّ كل من أتى من أهل مكة إلى الرسول؛ فأتى زوج سبيعة مطالبًا بردها؛ فأنزل الله هذه الآية.
وقوله تعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ” نزلت في فقراء المسلمين في المدينة الذين ينقلون أخبار المسلمين لليهود مقابل بعض ثمار بساتينهم؛ فأنزل الله هذه الآية ناهيًا إياهم عن فعل هذا الأمر.
رسمت السورة للمسلمين في ذلك الوقت وإلى آخر الزمان الطريقة المُثلى في التعامل مع غير المسلمين من أهل الكتاب ومن غيرهم كالدعوة إلى الله والدخول في الإسلام ومعاملة غير المسلم بأمانةٍ وصدقٍ متجنبًا ظلمه في ماله ونفسه وعرضه وأرضه وما يمتلك وتحليل التعامل معه بالبيع والشراء والمعاملات المدنيّة كافّة وغيرها.
محور مواضيع السورة
تبدأ الآياتُ بالإشارة إلى فتح مكة المكرمة وإلى ما اقترفه حاطب بن أبي بلتعة عندما أرسلَ يخبرُ المشركينَ عن أسرار المسلمين عندما أرادوا الخروج لفتح مكة، لكنَّ الله كشفَ أمره فقبض عليه الرسول -صلَّى الله عليه وسلم-، قال تعالى: “يا أَيُّها الَّذينَ آمنُوا لا تتَّخِذُوا عدُوِّي وعَدوَّكُمْ أولِياءَ تلقُونَ إليْهمْ بِالموَدَّةِ وقَدْ كفرُوا بمَا جاءكُمْ منَ الحَقِّ يخرِجُونَ الرَّسولَ وإيَّاكُم أنْ تؤمِنُوا باللَّهِ ربِّكُم إن كنتُمْ خرجْتُمْ جهَادًا في سبيلِي وابتِغاءَ مرضَاتِي تسِرُّونَ إلَيهِمْ بالمَوَدَّةِ وأنَا أعلَمُ بما أخفَيْتُمْ وما أعلَنْتُمْ ومنْ يفعَلْهُ منكُمْ فقَدْ ضلَّ سوَاءَ السَّبيل” ، وتحدثت عن سيِّدنا إبراهيم وأتباعه عندما تبرؤوا من قومهم الكفار، ثمَّ تبيِّنُ السورة أنَّ معاداة المسلمين للكافرين ولأعداءِ الله خاصَّةٌ بحالة الاعتداء والقتال، قال تعالى: “لا ينهَاكُمُ اللَّه عنِ الَّذينَ لمْ يقاتِلُوكُم في الدِّين ولَم يخرِجوكُمْ منْ ديارِكُمْ أنْ تبرُّوهُم وتقسِطُوا إليهِمْ إنَّ اللَّه يحِبُّ المقسِطِينَ” .
وبيَّنت الآياتُ بعد ذلك بعضَ القواعد التي يجبُ اتِّباعها في معاملة النساء المهاجرات من ديار الكفرِ إلى ديار الإيمانِ، كأنْ يتمَّ امتحانهنَّ لإثبات إيمانهنَّ، فإذا ثبتَ إيمانهنَّ فلا يجوز إرجاعهنَّ إلى ديار الكفرِ، وأوجبَت التفريقَ بين المؤمنة وزوجها الكافر ودفع المهر له، ويحلُّ للمسلمين الزواج من هؤلاء المهاجرات إذا أعطوهنَّ مهورهنَّ، قال تعالى: “يا أَيُّها الَّذينَ آمنُوا إذا جاءكُمُ المُؤمنَاتُ مهاجرَاتٍ فَامتحِنُوهنَّ اللَّهُ أَعلمُ بإيمانِهِنَّ فإِن علِمتمُوهُنَّ مؤمِنَاتٍ فلَا تَرجعُوهُنَّ إلَى الكفَّارِ لا هنَّ حلٌّ لهمْ ولَا همْ يحلُّونَ لهُنَّ وآتوهُمْ ما أنفَقُوا ولَا جنَاحَ علَيكُمْ أَن تنكِحُوهُنَّ إذَا آتيتُمُوهُنَّ أجورَهُنَّ ولَا تُمسكُوا بعِصمِ الكَوافرِ واسأَلُوا ما أَنفقْتمْ وليسْأَلُوا ما أَنفقُوا ذلِكُم حُكمُ اللَّهِ يحكُمُ بينَكُمْ واللَّهُ عليمٌ حكِيمٌ” .
فضل السورة
سورة الممتحنة كالكثيرِ من سور القرآن الكريم لم تَرِدْ في فضلها أحاديثُ خاصَّة بالسورةِ، إنَّما وردت بعضُ الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة التي لا أصلَ لها، كالحديث الذي رواه أبي بن كعب أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَنْ قرأَ سُورة الممتحنة كانَ المؤمنونَ والمؤمناتُ لهُ شَفيعًا يوم القيامة” .
وفضل سورة الممتحنة كفضلِ بقيَّة سورِ القرآن الكريم، ففي قراءتِها كما في قراءةِ القرآن الكريم كلِّه للمسلمِ في قراءتِه أجرٌ كبير وفضل عظيم لا يعلمه إلا الله.
نص السورة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)

واتساب

التعليقات

تحميل ... جاري تسجيل الدخول ...
  • مسجل دخولك باسم
لا توجد تعليقات حتى الآن ! كن أول من يرسل تعليقه !

إرسال تعليق جديد

Comments by