الخميس، 3 أكتوبر 2019

أركان الإيمان | الركن الأول: الإيمان بالله تعالى


الركن الأول: الإيمان بالله عز وجل
..:: تحقيقه ::..
يتحقق الإيمان بالله عز وجل بما يلي :
أولاً : الاعتقاد بأن لهذا الكون رباً واحداً تفرد بخلقه وملكه وتدبيره وتصريف شئونه رزقاً وقدرة وفعلاً وإحياء وإماتة ونفعاً  وضراً لا رب  سواه، يفعل وحده ما يشاء ويحكم ما يريد، يعز من يشاء ويذل من يشاء ، بيده ملكوت السموات والأرض وهو على كل شيء قدير، وبكل شيء  عليم ، غني عما سواه ، له الأمر كله وبيده الخير كله ، ليس له شريك في أفعاله ،  ولا غالب له على أمره ، بل الخلق جميعاً بمن فيهم الملائكة والإنس والجن عبيد له ، لا يخرجون عن ملكه وقدرته وإرادته سبحانه ، وأفعاله لا تدخل تحت حصر ، ولا يحصرها عدد ، وكل تلك الخصائص هي حق له وحده لا شريك له ، لا يستحقها أحد سواه ، ولا يجوز نسبتها ولا إثبات شيء منها لغير الله عز وجل .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ) [سورة البقرة: الآيتان 21-22]. وقال تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [سورة آل عمران: الآية 26]
وقال تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) [سورة هود: الآية 6].
وقال تعالى : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) [سورة الأعراف: الآية 54]
ثانياً : الاعتقاد بتفرد الله عز وجل بأحسن الأسماء وأكمل الصفات، التي تَعرَّف للعباد ببعضها في كتابه أو سنة خاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم.
قال سبحانه وتعالى : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [سورة الأعراف: الآية 180].  وقـال صلى الله عليه وسلم : (( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر )) متفق عليه .
وهذا الاعتقاد يقوم على أصلين عظيمين :
- أحدهما : أن الله له الأسماء الحسنى والصفات  العلى الدالة على صفات الكمال ولا نقص فيها بوجه من الوجوه ، فلا يماثله ولا يشاركه فيها شيء من المخلوقات .    
فمن أسمائه سبحانه وتعالى (الحيّ) وله صفة (الحياة) التي يجب أن تُثبت له عز وجل على وجه الكمال اللائق به ، وهذه الحياة حياة كاملة دائمة ، اجتمع فيها أنواع الكمالات من علم وقدرة وغير ذلك، لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء .  قال تعالى: ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ( [سورة البقرة: الآية 255].   
- الثاني : أن الله تعالى منزه عن صفات النقص والعيب مطلقاً، كالنوم والعجز والجهل والظلم وغير ذلك ، كما أنه تعالى منزه عن مماثلة  المخلوقين ، فيلزم نفي ما نفاه الله عن نفسه ونفاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه مع اعتقاده أن الله موصوف بكمال ضد ما نفى عنه ، فإذا نفينا عنه السِنة والنوم فنفي السِنة فيه إثبات كمال القيومية ، ونفي النوم فيه إثبات كمال الحياة ، وهكذا كل نفي عن الله عز وجل ، فهو يتضمن إثبات كمال ضده ، فهو الكامل وما سواه ناقص . قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( [سورة الشورى: الآية 11]  . وقال تعالى : ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) [سورة فصلت: الآية 46].
 وقال تعالى: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ) [سورة فاطر: الآية 44]. وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا )  [سورة مريم: الآية 64].
والإيمان بأسماء الله وصفاته وأفعاله : هو الطريق الأوحد لمعرفة الله وعبادته ، وذلك أن الله غيّب عن الخلق في الحياة الدنيا رؤيته عياناً ، وفتح لهم هذا الباب العلمي الذي من خلاله يعرفون ربهم وإلههم ومعبودهم ، ويعبدونه وفق هذه المعرفة الصحيحة السليمة ، فالعابد إنما يعبد موصوفه ، فالمعطل يعبد عدماً والممثل يعبد صنماً ، والمسلم يعبد الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحداً.
ثالثاً : اعتقاد العبد بأن الله هو الإله الحق المتفرد باستحقاق العبادات كلها الظاهرة والباطنة وحده لا شريك له .
قال تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) [سورة النحل: الآية 36]. وما من رسول إلا قال لقومه : ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) [سورة الأعراف: الآية 59].
وقال تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ) [سورة البينة: الآية 5].
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : (( أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً )) . 
والإله الحق : هو الذي تألهه القلوب فتمتلئ  بمحبته عن محبة ما سواه وتكتفي برجائه عن رجاء ما سواه ، وتستغني بسؤاله والاستعانة به وخوفه وخشيته عما سواه .
قال تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) [سورة الحج:الآية 62].
وهذا هو توحيد الله بأفعال العباد .  
..:: أدلة وبراهين وحدانية الله تعالى ::..
إن شواهد وحدانية الله تعالى وأدلتها كثيرة جداً ، من تأملها وأعمل فكره في تدبرها رسخ علمه وازداد  يقينه بتفرد الرب سبحانه وتعالى ووحدانيته في أفعاله وأسمائه وصفاته وألوهيته .
ومن تلك الشواهد والأدلة والبراهين على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي :
أ ـ عظم خلق هذا الكون ودقة صنعه وتنوع مخلوقاته ، والنظام الدقيق الذي يسير عليه ، فمن تأمل ذلك وأعمل فيه فكره أيقن بوحدانية الله . فالذي يتأمل خلق السموات والأرض وخلق الشمس والقمر وخلق الإنسان والحيوان وخلق النبات والجماد يعلم يقيناً أن لها خالقاً كاملاً في أسمائه وصفاته وألوهيته فدل على أنه وحده هو المستحق للعبادة .
قال سبحانه وتعالى: ( وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) [سورة الأنبياء: الآيات 31-33] .              
وقال تعالى : ( وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ) [سورة الروم: الآية 22].
ب ـ ما بعث الله به الرسل من الشرائع وأيدهم به من الآيات والبراهين التي تدل على وحدانيته وتفرده عز وجل بالعبادة ، فما شرعه الله لخلقه من الأحكام دليل واضح على أنّ ذلك لا يصدر إلا من رب حكيم عليم بما خلق وما يصلح  به الخلق .
قال تعالى: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) [سورة الحديد: الآية 25].
 وقال تعالى : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) [سورة الإسراء: الآية 88].
ج ـ الفطرة التي فطر الله قلوب العباد عليها من الإقرار بوحدانية الله ، وهي أمر مستقر في النفوس ، وإذا ما ألم بالإنسان ضرر وجد ذلك ورجع إلى الله ، ولو سلم الإنسان من الشبهات ، والشهوات التي تغير فطرته لما وجد في قرارة نفسه إلا الإقرار والتسليم بتفرد الله في ألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله والتسليم لشرعه الذي بعث به رسله عليهم الصلاة والسلام .
قال تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [سورة الروم: الآيتان 30-31]. وقال صلى الله عليه وسلم : ((كل مولد يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ، ثم قرأ  "فطرت الله الذي فطر الناس عليها " )) [ رواه البخاري ] .
..:: مقطع تعليمي ::..
واتساب